الثُّقب –قصة قصيرة
"1"
الهدوء كان يُغلّفُ كلَّ شيء، بغلالاتٍ شفافة ولا مبالية بتلك الخروق (التي كانت تحاول أن تكون، بفعل الرّيح، وبفعلِ أشياءٍ أخرى، منافذاً لضجيجِ المدينةِ العتيقة.) كانت لا مبالاة الهدوء هادئة كعهدها دوماً. كما كانت خروق الضّجيجِ أقلّ حماساً: (بل كانت متصالحةً في نفيِ ذاتها والذوبان في بحيرةِ الهدوءِ بشكلٍ رائعٍ حقّاً.) وصنعت- بشكلٍ خارقٍ في حدّ ذاتهِ- نوعاً من الضجيج الصامت!-... في ذلك الساح اللا منظور- تقريباً- جلس شخصٌ ما في مقعده (الذي كان وثيراً فيما مضى). كان مستأنساً بذلك الصمت والهدوء اللذين إنداحا بحيرةً صافيةً أغرق فيها ضجيج يومٍ من أيام العمل الرتيبة. "فلأذهب إلى البحرِ إذاً! لكي انتشى بتدخينِ سيجارةٍ بينما ينثال فوح الأعشاب الساحلية الجريئة: لأنها انتهكت بوجودها قوانين"الاستنبات" العادية فنمت بذاتها ولذاتها أيضاً!... آهٍ.. كم كنتُ أحمقاً حين خطّطتُ للذّةٍ قادمةٍ تهبني إيّاها سيجارةٌ قرب البحر سأدخّنها.. ولكن.. لا يهم.. فهنالك الكثير من الحماقات التي- عادةً- ما تمثّل اكتفاءاً معقولاً لكلّ طيشٍ أحلامنا وخيالاتنا الباسلة.." أشعل سيجارته إذاً: (نسيتُ أن أقول إنّ ثمةَ ظلامٍ خفيفٍ يتخلّلُهُ قليلٌ من الضّوءِ المرتعش، بعد أآن قذفت الشمس سائل لذتها ورحيق وجودها، كان يغلّف- في رداءٍ غيرِ متصنّعٍ للوقار- ذلك المشهد!) أشعل سيجارته إذن! كان يتطلّع، في لذّةٍ، إلى الطيوفِ الرائعةِ التي يشكلّها الدخان المنبعث من السيجارة، حتى رآها بغتةً كانت تبتسم ويشعّ ضيءُ عينيها كنجمةٍ حالمةٍ، كان وجهها بالذات، كانت هي، حتى تفاصيل ملامحها الدقيقة، وكانت ترتدي ذات الفستان الذي قابلته به بالأمس، (وقد شبّهها حينها بقطةٍ ذات فراءٍ، يتغازلُ في وداعةٍ جنسية عذبةً فيه اللون الأسود جدّاً، مع الأبيض قليلاً، وتتكوّر هذه القطة بين نتف ثلجٍ خلّفها جليدُ أحزانها "هي" حين كان "هو" بعيداً هناك، (وكان تبحث: كما أخبرته حين أتى!) عنه بينما كان "هو" يبحث عنه أيضاً، إلا أنّه لم يجده!.. إنه لم يجيء إذاً! ولكنّها تمارس حضوراً أكيداً في كلِّ شيء، وها هي الآن تشكّلها طيوف دخان سيجارته (كان يحاول أن يبتدع طريقةً ما في امتصاص السيجارةِ حتى تبعث دخاناً له خاصيّة رائعة: أن يُجسّد عريها، ليرى جسدها الرائع، ولكنه لم ينتبه إلى شيءٍ بسيطٍ جداً وهو أنّ سيجارته: بحكم اللهب الخافت الذي هو سرّ وجودها وانطفائها معاً! قد سكبت هي الأخرى، مثل الشمس تماماً، رحيقَ وجودها. أشعل، في لهاثٍ محمومٍ، سيجارةً أخرى، وظلّ يرقب المشهد المحتوم إذ حتماً سيرى جسدها الرائع، نهديها السامقين، وجيدها المنساب في رقّةِ لحنٍ موسيقيٍّ صافٍ، وفخذيها: (مبعث دفئه وشعوره الخلاق بامتلاكهِ للعالم، لمجرّدِ تصوّرهِ بفعله لشيءٍ ما فيما بين الفخذين!).. كانت السيجارة، ويا للأسف، مثل سابقتها عاجزة وخائبة! إذ شكّلت وجهه "هو" بالذات، مرتسمةً في ملامحه تعابيرٌ التّرقُّبِ للحضور البهيِّ لجسدها الرائع، سيمفونيّته المشتهاة. شعر بشعورٍ دفيءٍ من الخدرِ المباغت (يسمّونه عادة: الخجل!) قذف ببعضِ الحجارةِ الصغيرةِ هذه المرآة اللعينة، وأحدثت حجارته ثقوباً وانكساراتَ متعرّجة في زجاج المرايا، رأى، للغرابةِ، فخذها الأيمن عارياً، وكان جزءٌ صغيرٌ من فخذها الأيسر، أعلاه تماماً، يطلُّ في توقٍ لاكتمالِ البروز، شعر "بشيئه" ينتصبُ قليلاً.. قليلاً.. أخذ في التلصّصِ بلهفةٍ كي يرى من خلال الثقب (الذي كان صغيراً جدّاً) فخذها الأيسر، بكاملِ فتنته "الفِدْيَاسِيَّة"، وجسدها الأعلى، إلا أنّ الثقب كان ماكراً جدّاً!، إذ صار يدور حول نفسه بعبثيةٍ ماجنةٍ، وغيّب حتى ما كان مرئيّاً، نفث دفعةً أخرى من دخانِ السيجارةِ كي يهب شلالاً من الحياةِ للثّقبِ ليصير أكثر تماسكاً وليشكر فعلته تلك فيجسّد- بدورهِ- عريها البهي، ولكن كان ارتشاؤه للثّقبِ خائباً!
قذف بحجارةٍ أخرى، هشّمت ثقوبا أكبرَ في المرايا، أطلّ من واحدٍ منها وجه شرطيٍّ يُلوّح بسوطه (وأشيائه الأخرى) في جماعةٍ من المتظاهرين، ورأى في ثقبٍ آخرٍ عجوزاً يستجدي، أعطاه قليلاً من النقودِ كي يمضي، إلا أنّ العجوز أصرّ على البقاءِ بمكابرةٍ تركه ينشد: (يا ليلى ليلك جنَّ، معشوقك أوّه وأنَّ" بينما كان هو ينشد رؤيتها عارية، نظر في ثقبٍ آخرٍ، رأى أحد الطهاة يقلي بيضاً (أحسّ بجوعٍ مفاجئٍ، كفكرةٍ خاطئةٍ، كان جوعاً إليها "هي" بالذات، سيمفونيّته التي أضاع الدخان نوتاتها الرائعة!، كان هنالك ثقب ينادي عينيه المتلصصتين في لهفة، وفي هذا الثقب بالذات، رأى ناهديها، ويا للروعة!، (تحلّب ريقه لامتصاصِ رحيقِ روحه المدنفة من هذين الثديين، اللذين يتكورا وعداً وبشرى بزمنٍ ديونوزييسيٍّ سيأتي!) كانا متيقظين للتو، وكانت حلمتاها تنظران إليهِ في نداءٍ (خجولٍ بالطّبع)... أدخل يده من خلال الثقب، كي يمسّ ناهديها، ولكن أحدثت شروخ الثقب بعض الجروح في يده أسالت دماً كان قصيدةَ حزنٍ لغيابِ نهديها خلف غماماتِ حياءٍ أثارته محاولة يده في لمسها. وكانت دماؤه قصيدةُ هجاءٍ لثقبٍ لعينٍ لم يتواطأ مع رغبته السّاذجة والحادّة أيضاً، ثم حاولت آخر قطرات دمه، في غنائيّةٍ مرتعشةٍ، استجداء الثقب كي يكون أكثرَ حنوّاً، فكّر أخيراً في إغراء الثقب بالمزيد من دخان السجائر (كان عضوه قدانتصب بشكل كاملٍ الآن!، وكانت أعصابه قد توتّرت جيّداً (فجاء عزفها لإيقاعِ الشّهوةِ رائعاً!) توتّرت بفعلِ الشّهوة التي أثارها نهدٌ لطيفٌ وأكثرَ حنوّاً من الآخر، إذ لم يغب بالكامل، كما فعل ذلك بمكابرة، أشعل سيجارةً أخرى، وأخرى أيضاً، وأخيرة... (كانت المتعة البديهية في التدخين قد انتفت عنه، وهو يحاول لذّةً أخرى (من الطبيعيّ أن تحتجَّ السّيجارةُ لهذا الاستخدام الأداتِي! أليسَ كذلك؟) كانت هذه آخر سيجارة، تصعّدت فيه الرّغبة المحمومة في أن تهبَ السّيجارةَ الأخيرةَ ما لم تهبه الأخريات: جسدها العاري تماماً وبكاملهِ. رأى طيوفاً أحرى كثيرةً، ولكن "العجوز المستجدي" لم يغبْ أبداً، أعطاهُ نقوداً أخرى، لم يغب أيضاً، انتهره لاعناً، لم يغبْ أيضاً!، تركه تماماً، غابَ أخيراً، ثم عاد أيضاً يستجدي بإلحاحٍ مُلحٍّ، الثقوب الأخرى بها طيوف أخرى غير الذي يود. ارتخى عضوه، ولكن، وللغرابة، تصاعدت شهوته حتّى تشكّلت جسداً عارياً، ولدهشته، كان جسدها، هي، مارس اغتصاباً ذهنيّاً لِطَيْفِ جسدِها العاري، كان "البحر" يضحك عالياً- كما هي عادته دوماً إذ لا يتجهّم "البحر" أبداً. لأمرٍ ما كان البحر يضحك... انثالت اللذة في جسده، كانت وثنيّة بشكلٍ وثني!... تصاعد جسده هو، من دخانِ سيجارتهِ الأخيرة، وذابَ في جسدِها المتصاعد من شهوته في عناقٍ صوفيٍّ، لم تكن له قمّة سوى تلكَ "الوخزة" الحادّة "بالطّبع" التي أحدثها لهب سيجارته في يدهِ التي كانت تحوط جسدها السّاحلي، (كان الألمُ البديهيُّ للهبِ "السّيجارةِ" مَنْفِيّاً في ذاتِ منفى المُتْعَةِِ الخاصّةِ بالتّدخينِ وبأشياءٍ أخرى!..
"2"
موقف البحر...
كان البَحْرُ يضحكُ- في محاولةٍ طفوليّةٍ- لإغاظةِ ذلكَ "الشّخص الما" حيثُ كان يمكنه وببساطةٍ- حسب ما يرى البحر- أن يرى جسدها الرّائع وقد عكسته المرايا، يضاجع جسد البحر في حنانٍ مرتعش- بفعلِ الخجلِ، وبفعلِ أشياءٍ أخرى، كما كان يستطيع- لو استطاع- أن يرى مشهده وهو في حوزة تعابيرِ التّرَقُّبِ والتّلصّصِ من خلالِ ثقبٍ قد يطلّ منه جسدها العاري كما يود.
يحيى الحسن الطاهر "سايح"
ليل الاثنين 4/12/1989م
الساعة الواحدة ليلاً، الواحدة صفاءاً!
"1"
الهدوء كان يُغلّفُ كلَّ شيء، بغلالاتٍ شفافة ولا مبالية بتلك الخروق (التي كانت تحاول أن تكون، بفعل الرّيح، وبفعلِ أشياءٍ أخرى، منافذاً لضجيجِ المدينةِ العتيقة.) كانت لا مبالاة الهدوء هادئة كعهدها دوماً. كما كانت خروق الضّجيجِ أقلّ حماساً: (بل كانت متصالحةً في نفيِ ذاتها والذوبان في بحيرةِ الهدوءِ بشكلٍ رائعٍ حقّاً.) وصنعت- بشكلٍ خارقٍ في حدّ ذاتهِ- نوعاً من الضجيج الصامت!-... في ذلك الساح اللا منظور- تقريباً- جلس شخصٌ ما في مقعده (الذي كان وثيراً فيما مضى). كان مستأنساً بذلك الصمت والهدوء اللذين إنداحا بحيرةً صافيةً أغرق فيها ضجيج يومٍ من أيام العمل الرتيبة. "فلأذهب إلى البحرِ إذاً! لكي انتشى بتدخينِ سيجارةٍ بينما ينثال فوح الأعشاب الساحلية الجريئة: لأنها انتهكت بوجودها قوانين"الاستنبات" العادية فنمت بذاتها ولذاتها أيضاً!... آهٍ.. كم كنتُ أحمقاً حين خطّطتُ للذّةٍ قادمةٍ تهبني إيّاها سيجارةٌ قرب البحر سأدخّنها.. ولكن.. لا يهم.. فهنالك الكثير من الحماقات التي- عادةً- ما تمثّل اكتفاءاً معقولاً لكلّ طيشٍ أحلامنا وخيالاتنا الباسلة.." أشعل سيجارته إذاً: (نسيتُ أن أقول إنّ ثمةَ ظلامٍ خفيفٍ يتخلّلُهُ قليلٌ من الضّوءِ المرتعش، بعد أآن قذفت الشمس سائل لذتها ورحيق وجودها، كان يغلّف- في رداءٍ غيرِ متصنّعٍ للوقار- ذلك المشهد!) أشعل سيجارته إذن! كان يتطلّع، في لذّةٍ، إلى الطيوفِ الرائعةِ التي يشكلّها الدخان المنبعث من السيجارة، حتى رآها بغتةً كانت تبتسم ويشعّ ضيءُ عينيها كنجمةٍ حالمةٍ، كان وجهها بالذات، كانت هي، حتى تفاصيل ملامحها الدقيقة، وكانت ترتدي ذات الفستان الذي قابلته به بالأمس، (وقد شبّهها حينها بقطةٍ ذات فراءٍ، يتغازلُ في وداعةٍ جنسية عذبةً فيه اللون الأسود جدّاً، مع الأبيض قليلاً، وتتكوّر هذه القطة بين نتف ثلجٍ خلّفها جليدُ أحزانها "هي" حين كان "هو" بعيداً هناك، (وكان تبحث: كما أخبرته حين أتى!) عنه بينما كان "هو" يبحث عنه أيضاً، إلا أنّه لم يجده!.. إنه لم يجيء إذاً! ولكنّها تمارس حضوراً أكيداً في كلِّ شيء، وها هي الآن تشكّلها طيوف دخان سيجارته (كان يحاول أن يبتدع طريقةً ما في امتصاص السيجارةِ حتى تبعث دخاناً له خاصيّة رائعة: أن يُجسّد عريها، ليرى جسدها الرائع، ولكنه لم ينتبه إلى شيءٍ بسيطٍ جداً وهو أنّ سيجارته: بحكم اللهب الخافت الذي هو سرّ وجودها وانطفائها معاً! قد سكبت هي الأخرى، مثل الشمس تماماً، رحيقَ وجودها. أشعل، في لهاثٍ محمومٍ، سيجارةً أخرى، وظلّ يرقب المشهد المحتوم إذ حتماً سيرى جسدها الرائع، نهديها السامقين، وجيدها المنساب في رقّةِ لحنٍ موسيقيٍّ صافٍ، وفخذيها: (مبعث دفئه وشعوره الخلاق بامتلاكهِ للعالم، لمجرّدِ تصوّرهِ بفعله لشيءٍ ما فيما بين الفخذين!).. كانت السيجارة، ويا للأسف، مثل سابقتها عاجزة وخائبة! إذ شكّلت وجهه "هو" بالذات، مرتسمةً في ملامحه تعابيرٌ التّرقُّبِ للحضور البهيِّ لجسدها الرائع، سيمفونيّته المشتهاة. شعر بشعورٍ دفيءٍ من الخدرِ المباغت (يسمّونه عادة: الخجل!) قذف ببعضِ الحجارةِ الصغيرةِ هذه المرآة اللعينة، وأحدثت حجارته ثقوباً وانكساراتَ متعرّجة في زجاج المرايا، رأى، للغرابةِ، فخذها الأيمن عارياً، وكان جزءٌ صغيرٌ من فخذها الأيسر، أعلاه تماماً، يطلُّ في توقٍ لاكتمالِ البروز، شعر "بشيئه" ينتصبُ قليلاً.. قليلاً.. أخذ في التلصّصِ بلهفةٍ كي يرى من خلال الثقب (الذي كان صغيراً جدّاً) فخذها الأيسر، بكاملِ فتنته "الفِدْيَاسِيَّة"، وجسدها الأعلى، إلا أنّ الثقب كان ماكراً جدّاً!، إذ صار يدور حول نفسه بعبثيةٍ ماجنةٍ، وغيّب حتى ما كان مرئيّاً، نفث دفعةً أخرى من دخانِ السيجارةِ كي يهب شلالاً من الحياةِ للثّقبِ ليصير أكثر تماسكاً وليشكر فعلته تلك فيجسّد- بدورهِ- عريها البهي، ولكن كان ارتشاؤه للثّقبِ خائباً!
قذف بحجارةٍ أخرى، هشّمت ثقوبا أكبرَ في المرايا، أطلّ من واحدٍ منها وجه شرطيٍّ يُلوّح بسوطه (وأشيائه الأخرى) في جماعةٍ من المتظاهرين، ورأى في ثقبٍ آخرٍ عجوزاً يستجدي، أعطاه قليلاً من النقودِ كي يمضي، إلا أنّ العجوز أصرّ على البقاءِ بمكابرةٍ تركه ينشد: (يا ليلى ليلك جنَّ، معشوقك أوّه وأنَّ" بينما كان هو ينشد رؤيتها عارية، نظر في ثقبٍ آخرٍ، رأى أحد الطهاة يقلي بيضاً (أحسّ بجوعٍ مفاجئٍ، كفكرةٍ خاطئةٍ، كان جوعاً إليها "هي" بالذات، سيمفونيّته التي أضاع الدخان نوتاتها الرائعة!، كان هنالك ثقب ينادي عينيه المتلصصتين في لهفة، وفي هذا الثقب بالذات، رأى ناهديها، ويا للروعة!، (تحلّب ريقه لامتصاصِ رحيقِ روحه المدنفة من هذين الثديين، اللذين يتكورا وعداً وبشرى بزمنٍ ديونوزييسيٍّ سيأتي!) كانا متيقظين للتو، وكانت حلمتاها تنظران إليهِ في نداءٍ (خجولٍ بالطّبع)... أدخل يده من خلال الثقب، كي يمسّ ناهديها، ولكن أحدثت شروخ الثقب بعض الجروح في يده أسالت دماً كان قصيدةَ حزنٍ لغيابِ نهديها خلف غماماتِ حياءٍ أثارته محاولة يده في لمسها. وكانت دماؤه قصيدةُ هجاءٍ لثقبٍ لعينٍ لم يتواطأ مع رغبته السّاذجة والحادّة أيضاً، ثم حاولت آخر قطرات دمه، في غنائيّةٍ مرتعشةٍ، استجداء الثقب كي يكون أكثرَ حنوّاً، فكّر أخيراً في إغراء الثقب بالمزيد من دخان السجائر (كان عضوه قدانتصب بشكل كاملٍ الآن!، وكانت أعصابه قد توتّرت جيّداً (فجاء عزفها لإيقاعِ الشّهوةِ رائعاً!) توتّرت بفعلِ الشّهوة التي أثارها نهدٌ لطيفٌ وأكثرَ حنوّاً من الآخر، إذ لم يغب بالكامل، كما فعل ذلك بمكابرة، أشعل سيجارةً أخرى، وأخرى أيضاً، وأخيرة... (كانت المتعة البديهية في التدخين قد انتفت عنه، وهو يحاول لذّةً أخرى (من الطبيعيّ أن تحتجَّ السّيجارةُ لهذا الاستخدام الأداتِي! أليسَ كذلك؟) كانت هذه آخر سيجارة، تصعّدت فيه الرّغبة المحمومة في أن تهبَ السّيجارةَ الأخيرةَ ما لم تهبه الأخريات: جسدها العاري تماماً وبكاملهِ. رأى طيوفاً أحرى كثيرةً، ولكن "العجوز المستجدي" لم يغبْ أبداً، أعطاهُ نقوداً أخرى، لم يغب أيضاً، انتهره لاعناً، لم يغبْ أيضاً!، تركه تماماً، غابَ أخيراً، ثم عاد أيضاً يستجدي بإلحاحٍ مُلحٍّ، الثقوب الأخرى بها طيوف أخرى غير الذي يود. ارتخى عضوه، ولكن، وللغرابة، تصاعدت شهوته حتّى تشكّلت جسداً عارياً، ولدهشته، كان جسدها، هي، مارس اغتصاباً ذهنيّاً لِطَيْفِ جسدِها العاري، كان "البحر" يضحك عالياً- كما هي عادته دوماً إذ لا يتجهّم "البحر" أبداً. لأمرٍ ما كان البحر يضحك... انثالت اللذة في جسده، كانت وثنيّة بشكلٍ وثني!... تصاعد جسده هو، من دخانِ سيجارتهِ الأخيرة، وذابَ في جسدِها المتصاعد من شهوته في عناقٍ صوفيٍّ، لم تكن له قمّة سوى تلكَ "الوخزة" الحادّة "بالطّبع" التي أحدثها لهب سيجارته في يدهِ التي كانت تحوط جسدها السّاحلي، (كان الألمُ البديهيُّ للهبِ "السّيجارةِ" مَنْفِيّاً في ذاتِ منفى المُتْعَةِِ الخاصّةِ بالتّدخينِ وبأشياءٍ أخرى!..
"2"
موقف البحر...
كان البَحْرُ يضحكُ- في محاولةٍ طفوليّةٍ- لإغاظةِ ذلكَ "الشّخص الما" حيثُ كان يمكنه وببساطةٍ- حسب ما يرى البحر- أن يرى جسدها الرّائع وقد عكسته المرايا، يضاجع جسد البحر في حنانٍ مرتعش- بفعلِ الخجلِ، وبفعلِ أشياءٍ أخرى، كما كان يستطيع- لو استطاع- أن يرى مشهده وهو في حوزة تعابيرِ التّرَقُّبِ والتّلصّصِ من خلالِ ثقبٍ قد يطلّ منه جسدها العاري كما يود.
يحيى الحسن الطاهر "سايح"
ليل الاثنين 4/12/1989م
الساعة الواحدة ليلاً، الواحدة صفاءاً!
الخرطوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق