الأربعاء، 23 مارس 2011

سوناتا الحروف- كتابة

سوناتا الحروف- كتابة

(1)
جدل الفراغ والملاء
يحي الحسن الطاهر

جلست الحروف - ذاتصفاء-  تتسامر حول مواقعها في الكتابة ، كانت البهجة تغمر الجميع، من هذا التآلف البديع الحميم، الذي يلفها جميعا بعباءته الدفيئة ، كانت الصغار منها ،مثل الدال والباء تتضاحك جزلى، وتكركر ضحكاتها فقاقيع ملونة ، تتحول غماما متراقصا، يحجب عن الحروف شمس العدم، وفراغ الملاء السحيق ، كان الجميع في بهجة ومسرة عميمة ، لا يكدر صفوها الا من ازيز بدا خفيضا وصار يتعالى شيئا فشيئا ، احتار الجميع من مصدر ذلك الصوت الغريب ، الذي يشبه انينا مكتوما يضمر غيظا دفينا ، علم الجميع بعد مدة  طويلة، تساقطت فيها برهات  الزمان، قطرة اثر قطرة، في الوادي السحيق للأبدية ، علموا ان مصدر هذا الصوت، هو من بعض ذوات الاسنان والاضراس من الحروف: الظاء والطاء والضاد ، التي انبرت خطيبا:
فليعلم الجميع هنا ان العدالة هي ما ننشد ، ولا تغرنكم هذه الهناءة العابرة ، انظروا الي ما حسبتموه تجانسا ، اين هذا التجانس؟ الا تتبادلون المواقع بكيفية خارجة عن ارادتكم ؟ الا يمتن بنو الفانين عليكم بالوجود نفسه ، الا يزيحون بفوضى وجودكم شعورهم بالعدم ، ثم أين هذه الكيميائية العذبة لانسجامكم المزعوم ؟ الا تتناحرون حينا، حتى يخفي بعضكم بعضا فيما تزعمونه بلاغة وتجويدا ؟ ثم انظروا الي أنا : على الرغم من انكم تتسمون باسمى، لغة الضاد ، فما ذاك بميزة لي : فأنا أقلكم ورودا ، وغالبا ما تستقبحون صوتي، فلا تدعوني افتتح الكتابة ، تحاولون زجي بينكم ، في وسطكم ، كي تضبطون ايقاعكم المشروخ، برنينى العميق، فيالها من غفلة وحيف!   علا  حينها صياح الحروف واشتد ضجيجها ، كانت بعضها تشتكي من البرد، لكونها تأتي في مفاتح الجمل ، وأخرى تتذمر من الضيق والاختناق والانحباس، لتوسطها بين أحرف حارة، تتلظى بمشاعر الغيظ والمرارة ، اما التي غالبا ما تأتي في أواخر الكلام، فخوفها من حافة العدم التي تطل عليها أصاب الجميع برعدة بالغة ( لعلمهم بأن ذلك مصير محتمل للجميع) علا الصياح وضج السامر بالشجار ، وتشابكت الحروف بالأيدي والأرجل  فهنا ترى حرف( الألف) ينتصب عصى غليظة تنهال ضربا ،على ظهر  الحروف  المنبسطة مثل (الغين، والعين والجيم والحاء والخاء) حتى  تدميها وتتقاطر دمائها مشكلة نقاطا للثاء والتاء والنون ، فما تلبث هذه الأخرى، أن تنالها عضات الأحرف المسننة مثل الشين والسين ، فتتلوى الما حتى تصير مرة (كافا ومرة دالا وزالا - ) حتى اذا بلغ بها الألم منتهاه وأشتد بها الوجع ،

فرت هاربة واختفت، في تضاعيف مجوفة مثل، التشديد أو التسكين أو حتى الاضمار والاقلاب ، ومن طريف ما يروى من  أمرها ، أنه يحكى ان بعضها ينقلب محض أحرف ناعمة لينة، لا تستفز نعومتها شرا ، بل يسعى بعض الاحرف اليها رغبة في شميم فائح انوثتها الانيقة، وتتأبى هي في دلال وغنج ، ولعل هذه النعومة وذاك الدلال، هو ما زين لها ان تنبري لفض هذا الاشتجار ، اقترحت الياء خطيبا :
قالت الياء ، بعد ان تنهنهت طويلا حتى كادت تنقلب باءا ، ولكنها انحنت بسرعة تلملم نقطتها، التي تطايرت من تنورتها الضيقة ، ثم قالت في نعومة مخاطبة الضاد:
انظروا الي : انا آخر كم ورودا في الابجدية ، وليس في ذلك عيب ، اذا  وجد الطموح والحيوية ، فهاأنتم تروني آتى في اشد لحظات وجودكم وثوقا ، اليس بي تصاغ كل راهن حركة الكائنات ؟ يجري ، يبكي، اليس في بركة موضعي، انبثاق الفعل من جوف السكون؟ ما افعالكم غيري سوى ماض غائب؟ جرى، بكى ، نام ،  فيا أيتها الضاد لا يحزنك موضعك ، فما يقعد بك هو قصور همتك لا بعد موضعك ، ثم هيا أخبريني:
أين هذا الرنين العميق الذي به تفاخرين ؟ أين هو من عذوبة رنين السين وهمس الشين ، ورقة الحاء ودفئها ، التي أوحت الى بنو الفانين بأن يفتتحوا بها كل مفردة دفيئة، مثل، حلم وحب وحرية وحنان وحسن ؟ أين انت من ذاك بل دعينا من هذه المراقي  التي لا تطيقين واخبرينا : أين أنت من جلال وجمال الميم ؟ وسكونها العميق ، اليست هي اشارة وعبارة علي الطمأنينة اذ بها كل ما يأوي اليه بنو الفانين، فهي مهد ، منزل ، مسكن ، موطن ، حسنا ..لنترك كل ذلك ..فهيا أخبرينا ..أين أنت من طلاوة وحلاوة العين؟ عسلها ، عنبرها ، عبقها ، عشقها ؟
جلست الياء في زهو وخيلاء وقد رأت ما يتخايل من اعجاب من مقالتها، في الاخاديد العميقة، للسين والشين ، ولشد ما أعجبها تقوس النون فرحا، حتى  كادت أن تنكفئ على وجهها باءا ممسوخة ، أو يذهب بها التمايل فرحا، الى حد أن تصير الفا ممدودة ، ولأمر ما تشابهت الألف الممدودة نطقا وشكلا بالدودة ، فزعت الياء من هذه الخواطر واستعاذت بالألف والام مرتين وبالهاء، من الخيلاء والغرور، وما سيجره عليها من ويل وثبور ، الم يرسم لها كل هذه المسوخ المحتملة؟
فجأة شق ضجيج الحروف وتشاكسها صياح عظيم:
جفلت الحروف ووجفت ، ثم سكنت تتصنت ما كنه هذا الصوت المريب ، تبينت انه آت من جب عميق ، انه داعي النوم ، تواثقت على أن لا يؤذين بعضكم بعضا حتى الغد ، دعونا ننام ولنا ملتقى غدا لا نخلفه.   
      
      

سوناتا الحروف- كتابة – جريدة المدينة- ملحق الأربعاء الثقافي

يحي الحسن الطاهر

(2)
قلق التكوين
حسنا :
كانت الاحلام التي داعبت مخيلتهم تلك الليلة، غريبة حقا ، حلمت الباء بأنها تتنزه وحيدة، قرب شاطئ منسي بعيد ، لم تكن هنالك أية اشارة لحياة عاقلة ، قالت تخاطب ذاتها:
حسنا لم لا أدعو بعض أخواتي فنتحد( وربما ..وربما) ثم تضج الحياة بهذا الشاطئ ، كانت فرحة بهذا الخاطرة المباغتة فأنستها فرحتها، وما بداخلها من نداءات الخصوبة ، انها تفترش لحافا وتضجع قريبة من النون، التي كانت ترقب حركتها،لكونها لم تنم في تلك الليلة، كانت النون ترى في وجه الباء تعابير متعددة ، فتارة تراها مرة ترتعد خوفا ..وفجاءة تضحك بسعادة ، ثم تارة أخرى ، ترى تلك النظرة التي تعرفها كل الحروف، الرغبة وشهوة الخصوبة ونداء اللذة،،والمعروف لدى الحروف جميعها، ان النون هي أكثرهم حنوا وعطفا على الجميع، أكثرهم حيوية وحماسا في تلبية نداءاتهم جميعها، كانت النون تحاول ان تفكك شفرة هذا الحلم، الذي يدور في الأزقة القصية لروح الباء وعقلها، كانت ترغب في مفاجأتها بتحقيقه،صارت تقترب أكثر وأكثر، حتى تستطيع سماع هلوستها الخفيضة ، الألف كان يرقب من مكمنه البعيد كل هذا ، وعرف بحدس الحروف القوي، ما كان يدور بين الباء والنون من جدل صامت ، فصار ينادي على التاء ان تقترب..وحين صارت قريبة جدا، نهض الألف بخفة من مكانه ، وتمطى حتى يذهب غائلة نومه العميق ، وحتى يستطيع حمل النون، بقوسها ونقطتها عاليا، كي ترى من علو ما يدور بخلج الباء،فهمت التاء بأن الألف يريدها، أن تقترب حتى لا يسقط ، وهو يشب على أطراف قدميه، كي يتمكن من رفع النون الى أعلى أفق ممكن، لعلمه المسبق بأن الحروف جميعا، حين تحلم ،تغوص في أحلامها عميقا حتى تأمن من التلصص، فهمت التاء كل ذلك ، وتولى الألف اعداد كل شيء ، أمر النون بأن تلتصق بالباء بخلس حتى لا تزعج نومها، ورفع النون عاليا، وهي ملتصقة بالباء..فهمت التاء مكر الألف، فأتت تسعى وهي تحتك بالألف، في وضعه المضحك ذاك: يرفع النون الملتصقة بالباء النائمة ، أحدثت كل تلك الضجة أصواتا مزعجة جدا ، جعلت الباء تستيقظ فزعة ، وحين حاولت الصراخ ، نبهتها النون من عليائها تلك :انظري ألينا، الم نشكل جميعا ما ينقص هذا الشاطئ المهجور، دعونا فقط نتناسل أكثر فأكثر، دعونا نرتدي بعض الألوان المختلفة ، ولكن دعوتا نقصقص قليلا من أطراف أثواب النوم الطويلة هذه ، دعونا نرتدي أثوابا اكثر قصرا، حتى نسمح للنسيم العليل للشاطئ بان يرعش اجسادنا، وسترون كيف يضج الشاطئ بالمرح ، وكيف تنشر الريح خرافة ما تثرثره الماء من اشجان عشقها الى اليابسة،ضحكت الباء في سعادة ، سعادة لم تكن تحلم بها ، فما فعله الاندغام الجميل للألف والنون والتاء كان أكثر مما تتوقع ..صارت تضحك بشكل هستيري مجنون ، حتى بدأ الجميع يرتجون في مواضعهم ، لم يستطع الألف بكل قوته وصلابته المعهودة ،أن يوقف النون التي كانت تتقافز خائفة ، تحاول أن تتملص من هذه الكينونة ، أخيرا أستقر ضحك الباء وسكن، ولكن بعد أن ذهبت النون بعيدا في الحافة من هذا النسيج ، صارت قبل الباء ذاتها حتى تأمن في مستقرها ذاك من احتمال انهيار الكيان جميعه ، ضحك الألف حين نظر عبر الفرجة الضيقة لتنورة النون الى ما صاروا عليه بعد تبدل المواقع ، وقال انظروا ما لدينا من تنوع ، ثم في برهتعشق صاح بالباء:
بوركت ، فقد منحتينا الظل وهذا الألق.
بدأت الأحرف الأخرى تستيقظ تباعا، بعضها بتثاقل ، مثل الظاء والطاء والضاد ، لعلمها بأن لا حاجة  للجميع اليها، في هذا الصباح الباكر ، وان شاركتهم جميعا الاندهاش العظيم ، اذ رأوا كيف استحال المكان ، فبالأمس بعد كل ذلك الشجار ، نام الجميع في خلاء قصي وهاهم الآن يستيقظون قرب شاطئ ضاج بالحياة، تمرح فيه حسان بهيجات ويزدان بالاشجار الجميلة، وكل صنوف النبات ، أحس الجميع بالجوع وتنادوا :
هيا ، تعالوا نشكل بتراصنا ما ترغبون فيه من طعام وفاكهة وشراب،ثم فجأة صاحت الكاف:
مالي لا أرى الشين والألف والياء ،ألم تلحظوا ان الألف أيقظ الجميع ، أين ذهب؟ بدأ القلق ينتاب الجميع ، صاروا يتلفتون يمنة ويسرة ، بل بلغ بهم القلق لئن ينتدبوا بعض الحروف المائية ( فهم قبائل شتى ، كما هو معروف) بأن تذهب الى النهر وتغوص بحثا عل الشين والألف والنون تكون قد استهوتها غواية الماء ومن يسبحن فيه،كانت الألف وصويحباتها يضحكون بهناءة غامرة في خبائهم البعيد وهم يصنعون للجميع مشروب الصباح الذي يشتهون . جاءوا يسعون بالوان متعددة بين الأخضر والأسود والأحمر وقد أدغموا في نسيجهم الحميم سينا خجلي، كافا عجلى، وراءا مرتعدا، من كون ان هذا المزيج سوف ترشفه الحروف وتمحق وجوده في برهات قلائل وربما تطالب بالمزيد .
ارتج سكون الشاطئ وضج بكل هذه الأصوات ، فهاهي الريح في البعيد، تزمر تراتيل الموج وتهامس الاشجار في عشقها الذي لاينتهي أبدا للبوح والغناء، ثم هاهو الموج  ، طفل الماء الشقي الذي لا يعرف سوى اللعب والتقافز ، يرتل الآن  صلواته السرية لجنياته ، وبعد كل هذا يأتي صوت ارتشاف الحروف لعصير وجودها.
فجأة أطبق ظلام كثيف ، صارت الشين والألف والياء لا ترى شيئا، علمت انها الآن في القاع العميق تنام محض ذكرى لذة الصباح المعتاد للحروف ، ولكنها في غور وجودها ذاك كانت تدرك انها سرعان ما تتجشأها الحروف ، فتخرج منسلة كغمام ناعس جميل عبر شقوق استلذاذ الجميع .

يحى الحسن الطاهر


         
      
               






















سوناتا الحروف

(3)

ذاتمرح ما



تبارت الحروف جميعا في أي تشكيل يكون أكثر شهية للافطار الذي بدأت تحس دنو وقته من تلك الاختلاجات العميقة في امعائها الخاوية ، بعد لغط وفوضي عظيمين وقفت اللام وقالت:
اعرف جليا انكم الآن كما أنتم دوما، تنظرون مني أن أدعو الحاء والميم الي الالتصاق بي ، وان نعيد ترتيب اندغامنا ونسكب عصير فوضانا علينا، لأنه بغير ذلك لن يكون لنا أي طعم ، حسنا ، لابأس سنفعل كل ذلك ، ونتبادل المواقع ، وساكون عادلة:
مرة سأكون في الابتداء وتأتي الحاء في الوسط والميم في الختام ، ثم ستاتي الميم في البدء وأتوسطهم ثم نختتم بالحاء، وبعد أن تمتلئ امعائكم ، ستأتى الحاء في البدء ولابأس لي في أن أتوسط مرة أخرى ، وليته يكون تشكيلا سعيدا.
دهش الجميع من فصاحة اللام وبلاغة خطابها، سال لعابهم جميعا وصاروا يهيبون بها أن تشرع وصويحباتها  







قصيدة: يا قمر هل الأنثى كما قالوا وطن الذكر؟

يا قمر هل الانثى .......كما قالوا...وطن الذكر؟

شعر : يحي الحسن الطاهر

ثرثرة نثرية:
( كنت أعرف ..قبل أن ألتقيك..حبيبتي ..ان البنفسج هو صهيل الروح ..حنينها  الي الخروج عبر رئة اللون الى الكون..لكن لم يكن بمقدوري أبدا أن أعرف ..قبل أن ألتقيك ان بمستطاع فتاة ما ..أن تبفسج البنفسج!!حتى تبفسجت عيناي برؤيتك ..اذ ما انت سوى بنفسجة ذرتها ريح خلاقة من ذاكرة الشجر ..ناثرتها في فضاء الجمال فاستوطنتك جسدا بديعا )..أتسمعيننى اذ أغنيك..بنفسجتي؟

أسائله بألم:
قل لي يا قمر:

أي مسحوق يزيل صدأ القلب؟

أي طلسم؟
أبتعويذة الماء أرقيها؟
أم بأنين الشجر؟
شاهدي كنت:
أضفر جدائلك شعرا...
يتحول مركبا..
وبه نسبح في ضوئك ..
وهي:
طفلة كانت..تفرش دربي نجما
وتحبك كثيرا ياقمر!!
وحيدين كنا يا قمر نعدو:
مهرا تتراكض قبلتها في براري جسدي..
غيوم لذة تحتويني..
وأتساقط أنا في أنحائها ..مطر!
والآن يا قمر:
خلا دربي...
وحيدا عدت كحزين قديم!!
أمتص صمت الشوارع و أزفر  الضجر..
وأقول للرب:

متي تنمو في حواف القلب أعشاب السكينة؟

وتزهر في الروح..نجمات اخر؟
متي يشق نهر دمي مجرى آخر؟


اذ...
ندي قبلاتها ما يزال يشعل في شراييني اللهب    
فألى متى يا رب:
أحمل ماضيي صليبا
يبعثر خطواتي
يسحن أشواقي
خلف أسوار من ضجر؟
يغيم عيناها فلا ترياني صائحا:
يا قمر
أي مسحوق يزيل صدأ القلب
أي طلسم؟
أبتعويذة الماء أرقيها؟
أم ببخور الشعر؟
طفلة كانت:
تغني للبحر،
تشاكس النجوم،
تحبك كثيرا
حين أنت
مغسول بالمطر
والآن ياقمر:
بح غنائي
انكسر نأيى
كأن نسرا:
شد بمخلبيه روحينا وطار بها بعيدا
بعيدا
بعيدا
غيبها..غيبني
في جوف بحر
ولم يترك منا سوى الصور
فصرنا:
يرتلنا الموج  تسابيح صلواته السرية،
تتهامس بنا الاشجار في غنائها الليلي الخفيض،
النجوم في لغطها الحميم في صحرائها البعيد،
وتفترسنا أنت
في عزلتنا الحزينة يا قمر!!
ذئب السماء أنت
تفترس الجميع:
النجوم..خرافك الوديعة،
مزامير العشق
ماء جوفك الظميء
منتفخ بنا حتى التقيح:
دمك الوضيء..ضوئك يا قمر!!
أألعنك بعد؟
أم أغنيك؟
قل لي يا قمر:
تراها..
تتسكع في أحلامي
تتناثر في ذاكرتي
فقاقيع ضحكها البريء
وتشيد أنت بيننا من أحجار الماضي ستار..
أفنسيتني حقا..ونسيتها،
أم ان الانثى ..كما قالوا..وطن الذكر؟

يحي الحسن الطاهر

أكتوبر 2005 - لندن

مطر أزرق- قصيدة نثرية

مطر أزرق

                                                                       شعر : يحي الحسن الطاهر
السوناتا الاولي:
 الليل
الليل رحم أعمى...
يلد النهار جنينا فصيحا..
في سلة الليل يتكور الوجود
جاعلا من الليل بالونة يثقبها دبوس النهار:
 فيتدفق حينها الوجود
غابات أفاقت من نومها للتو
علي شقشقات عصافير بهيجة
حين تنصت اليها تضحك:
من كونها تحتار
 كيف تنسي ما كانت تغرده قبل النوم من نوتات مرحها الحر الطليق!!






السوناتا الثانية:
 الظل:
الظل وشم حنين يبصمه  الليل علي جلد النهار:
 شهقة غياب ووعد حضور صريح
يزيح الظل لليل من جسد النهار ما يزيح
الظل بثور الليل تطفح علي جلد النهار
السوناتا الثالثة:
 الحلم:
في المساء
حين أفى الي غابة نومي
وأزيح ادغالا من الضوء النهاري الفج من أمام عيناي
فاتحا اسفل وعي عتمة غابية.. كي تمارس فيها الكائنات حرية انسلاخها من جلد هوياتها النهارية العتيقة... كثعابين مقدسة
وتتسكع في بهو احلامها بالصيرورة
فى تلك البرهة: أتذكرك
مرة:
 حلم عصفور بأنه أبكم صار،
 مثل صرصار عجوز ..ثم..في دغل فسيح مات
وحين أفاق صباحا
 ارتعش بفرح ضاحك من كونه حيا ما يزال ..
ضحك حتى مات حقا!!
وعرف فى موته فقط :
أن النهار هو ما يوثق الوجود








السوناتا الرابعة:
 المرأة
أحلم أن أغرق ذاتي في طميك الانثوي
عشبك الأخضر ...المبلل بندى مطر ليلي بهيج
هسهساته مثل عصفور شقى:
 ينقر على شبابيك الروح:
 كي تأذن للقلب بالخروج في نزهة
في اقصي أقاليم روحك،
 وحواريها وازقتها القصية،
 ..المكتوب على حيطانها:
 ان اقتربت مني ..فقد اغتربت عنك!!

أيتها المرأة السر:
أصحيح ان النهد أعلي قمة في العالم؟
لذا آله القدماء القمر؟
أمد ذراعاى في الفضاء الفسيح:
فأقبض ريحا
أخالها طيفك.. فتتندى  أناملي بمس أثيرك العطري......
فأشهد أني:
رأيت فيك
اذ رأيت في
النجوم
تتفتح أزاهيرا في قلبي
يتندى  رحيقها ضؤءا يكون دمي..
 فيتعطر كوني..
وأشهد أني











السوناتا الخامسة:
جسدك ولغتي
ومثلما الموسيقى
يا حبيبتي
اطفال اشقياء..
يتسكعون في براري وأزقة الروح القصية،
..ولا ندري الي حواف اي عوالم غريبة يقودونا ولا الي أي مجاهل
كذلك جسدك:
حدائق قرنفل..
جزائر ياسمين ..
ما وطئتها من قبل أقدام القصائد
فبأي المعاجين أنظف أسنان لغتي..
كي لا تؤذي قرنفل شفتيك وهي تقبلك شفاه القصائد؟
وبأي تمارين يوغ
ا..معقدة..
وغامضة..
علي أن أطوع حرفي..حتى يتتبعك؟
ازميلا
قوسا قزحيا
ينساب داكنا من الليل في شعرك..
الي ظهيرة العنق الساحلي..
ويستدير حول نهديك نهرا من عميق الحنين..
يتكسر رزاز موجه عند خصرك..
ويرتاح هناك قليلا
 مثلما يرتاح في المدى اعصار الأنين
وتستدفئ المفردة الغريبة بين الفواصل؟
أعلي أن أخجل؟
اذا اشتهت لغتي أن تقضم قليلا من تفاح نهديك الغمام؟



أأخجل...اذ..
برهتئذ..
 انتصبت الحروف وقذفت سائلا أرجوانيا هو القصيدة؟
فعلميني اذن
كيف تشرق في روحي شمس الكلام المهذب!

السوناتا السادسة:
 الطفل:
ومنذ أن كنت صغيرا..
حدثتني أمي..
بأن قماطي كان هو النهر..
وأرضعتني أمي..قالت..
خرافة ما تثرثره الماء من أشجان عشقها الى اليابسة
وأظن أمي صدقت..
اذ أني أشتم للنهر في دمي دوما عبق
واظنها صدقت..
اذ تسلميني دوما الي الأرق ..
وتبصمين روحي بميسم القلق..
عيناك ..
يا تمكن الذي خلق
وضجة النسيم حين يرف بجسدي
الأرق
فسبحان من كوثرك في دمي
وسبحان
من لي خلق...


يحي الحسن الطاهر
     أديس أبابا -مارس 1992                                                         

قصة قصيرة: ملاحظات متسكعة على رصيف الروح

                                                       ملاحظات متسّكعة على رصيف الرّوح
                                                                                    أو...
                                                        خروق في عباءة الصّمت- قصة قصيرة -
وقف طويلاً أمام مقلاةٍ للبيض:- تُرى كم من الصّمت أزاحه ضجيج الزيت المقلي؟... البيضة ذلك الكائن الغريب تشدّه كثيراً ويُمثِّل صمتّها المحتوي ضجيج الحياة وعداً بانكشافِ ما يُخفيه وجوده من غرابة.. مثل غرابتها.. ؟ ربّما!...  ، رأى عربةً تسير في الطريق التي رصفتها أمطار الأمس وكانت مصابيح العربة تضيء وتخفت كعيني نمرٍ في ظلامِ غابةٍ في خطّ استواءِ روحهِ على مقامِ ذعرٍ مفاجئ كبرقٍ خريفيٍّ.
همس:- ما أروع الدفء الذي تتمتع به اللوزة داخل صدفتها! امتدّ صمته واستطال وتثاءب؛ آهٍ كم أنا مُتعب فالذباب يتواطأ بمكرٍ على أن يُنسّجَ بطنينه شباكاً لاصطيادِ صفائي، الشبكة تتّسع وباتّساعها تزيح نسيج عناكب السكينة في داخلي... تغرقني في أمواجها اللّزجة فأحتمي بخروقٍ في نسيجها حين يصمت الطنين فتغيب غرزة في برهةِ هدوءِ الذبابِ ليُنوّع معزوفتهِ ويواصل نسج شباكه.
صامتاً كنتُ أتسمَّع طيفكِ ينسابُ خَلِسَاً كحفيفِ الثّوبِ في ليلةٍ صبيّةِ الرّيحِ، كهمسِ الساحراتِ في ليالي الطفولةِ العذبةِ أتى طيفكِ خَلِسَاً ولم تأتِ، فهلاّ تأتين لتتحوّر شباكُ الذّبابِ مرايا يَسكُنُها وجهكِ الصّبوح؟!
كان يرقبُ الشّمسَ وهي تستحمُّ في النّهرِ من إرهاقِ النّهارِ حينَ سمع "صوتها"... كان "صوتها" جناحين حملاه وطارا به بعيداً... بعيداً حيثُ شهد احتفال النّجوم بزفافِ عطرها الأثير إلى قلبه... ضحك في هناءةٍ حين رأى قارورةَ السّكينةِ تسكبُ آخرَ قطراتِها في نفسهِ بعد أن سمع صوتها الجناح.
لا يهم. كلّ النّجومِ ليست واحدة؛ هنالكَ نجومٌ للأسى، (وهنالكَ ذلك النّوع النّادر من النّجوم الزّاجلة التي تحمل أشواق العاشقين ومناجاتهم الجَّسورة التي تخترقُ وهم "المكان" وتعبثُ بإرهاقِ المسافة.
عفواً، هنالكَ أيضاً النّجوم/الثقوب التي تطلُّ منها عينا الإله على دنيا الإنسان، هل هنالكَ نجومٌ أخرى غير تلك الناثرة لعصارةِ بريقها الذي تهفو شرايينك إلى الإغتذاءِ به فتشعُّ الحياةُ فيكَ إنخطافاتٌ من السّحرِ، وتتسوسنَ في قلبكَ يرقاتُ رؤى نبيّة؟!...
والنّجوم عذارى السّماءِ التي ما فضّ بكارتها "ذكر روحنا" الشّعرُ بعد. والنّجومُ أيضاً آثارُ أقدامِ الغموضِ التي تُطرقع فتنخطفُ عيناكَ إلى الأعلى في حيرةٍ لن تُفَضَّ!...
ليلاً كان المنزلُ يستحمُّ في ظلامٍ مُغلقٍ وطريٍّ كأنه صمتُ العرَّافة... كان المنزلُ سفينةً والظّلامُ بحر... اعتقل نفسه طويلاً داخل "الحمّام" وأضاءَ المصباح الكهربائي ثمّ رأى الظلام في الخارج ينظر إليهِ في تحديقٍ مجوّفٍ كقاعِ البئر. أحسَّ "بالحمّامِ" كتلةً مضيئةً في قلبِ ظلامِ المنزلِ وكأنّهُ إشراقةٌ مفاجئةٌ لفكرةٍ طموحٍ في عقلٍ يائسٍ تسكّعتْ فيه عناكبُ الإحباطِ ونسَّجتْ شرايينه وأفرزت في خلاياه عصارة وجودها. تساءلَ، كم من الظّلامِ أزاحه "الحمّام" المُضيء؟! وكم من العتمةِ في روحهِ شقشقت في أحراشها عصافيرُ حضورِها البهيجة؟! تذكّرَ أنّ الرّنينَ الفضيَّ الذي تُنغِّمُهُ عصفورةٌ مرحةٌ ينثالُ في وجدانهِ قمراً يضحكُ من انعكاس وجههِ في مرآةِ نهرٍ سعيد.
نظرَ إلى السّماءِ، إلى السّحابِ المتناثرِ في سماءٍ خريفيّةٍ كأنّه شحوب العالم الأرضيّ ثم انتشرت في جلده لذّةٌ وثنيّةٌ راعشةٌ كأنّها بخارُ الشّايِ المتصاعد في نشوةٍ شيطانيّةٍ حين يصدمُ أنفك... كان ذلك مساءٌ أذهلتهُ المُماثلةُ الرّائعةُ بين السّحابِ وشعوبِ العالمِ، فحينما تصطدم سحابةٌ بأخرى، يُدوّي الرّعدُ/القنبلةُ ويبرقُ البرقُ... ولكن.. ينزلُ المطر!.. بينما تُعشعشُ الفواجع حين تصطدمُ الشّعوب، وحده الإنسان ذلك الكائن البهيج المليء بالغبطة المُبارَكَة الذي حينما يصطدمُ ذكرهُ بأنثاه تُولدُ الحياةُ كالنّبعِ الدفيءِ من ثديٍ جبلٍ مُقدّس.
مساء الأربعاء2/7/1986.
يحيى الحسن الطّاهر- الخرطوم

الثقب - قصة قصيرة

                                                                          الثُّقب –قصة قصيرة  

"1"                                              
الهدوء كان يُغلّفُ كلَّ شيء، بغلالاتٍ شفافة ولا مبالية بتلك الخروق (التي كانت تحاول أن تكون، بفعل الرّيح، وبفعلِ أشياءٍ أخرى، منافذاً لضجيجِ المدينةِ العتيقة.) كانت لا مبالاة الهدوء هادئة كعهدها دوماً. كما كانت خروق الضّجيجِ أقلّ حماساً: (بل كانت متصالحةً في نفيِ ذاتها والذوبان في بحيرةِ الهدوءِ بشكلٍ رائعٍ حقّاً.) وصنعت- بشكلٍ خارقٍ في حدّ ذاتهِ- نوعاً من الضجيج الصامت!-... في ذلك الساح اللا منظور- تقريباً- جلس شخصٌ ما في مقعده (الذي كان وثيراً فيما مضى). كان مستأنساً بذلك الصمت والهدوء اللذين إنداحا بحيرةً صافيةً أغرق فيها ضجيج يومٍ من أيام العمل الرتيبة. "فلأذهب إلى البحرِ إذاً! لكي انتشى بتدخينِ سيجارةٍ بينما ينثال فوح الأعشاب الساحلية الجريئة: لأنها انتهكت بوجودها قوانين"الاستنبات" العادية فنمت بذاتها ولذاتها أيضاً!... آهٍ.. كم كنتُ أحمقاً حين خطّطتُ للذّةٍ قادمةٍ تهبني إيّاها سيجارةٌ قرب البحر سأدخّنها.. ولكن.. لا يهم.. فهنالك الكثير من الحماقات التي- عادةً- ما تمثّل اكتفاءاً معقولاً لكلّ طيشٍ أحلامنا وخيالاتنا الباسلة.." أشعل سيجارته إذاً: (نسيتُ أن أقول إنّ ثمةَ ظلامٍ خفيفٍ يتخلّلُهُ قليلٌ من الضّوءِ المرتعش، بعد أآن قذفت الشمس سائل لذتها ورحيق وجودها، كان يغلّف- في رداءٍ غيرِ متصنّعٍ للوقار- ذلك المشهد!) أشعل سيجارته إذن! كان يتطلّع، في لذّةٍ، إلى الطيوفِ الرائعةِ التي يشكلّها الدخان المنبعث من السيجارة، حتى رآها بغتةً كانت تبتسم ويشعّ ضيءُ عينيها كنجمةٍ حالمةٍ، كان وجهها بالذات، كانت هي، حتى تفاصيل ملامحها الدقيقة، وكانت ترتدي ذات الفستان الذي قابلته به بالأمس، (وقد شبّهها حينها بقطةٍ ذات فراءٍ، يتغازلُ في وداعةٍ جنسية عذبةً فيه اللون الأسود جدّاً، مع الأبيض قليلاً، وتتكوّر هذه القطة بين نتف ثلجٍ خلّفها جليدُ أحزانها "هي" حين كان "هو" بعيداً هناك، (وكان تبحث: كما أخبرته حين أتى!) عنه بينما كان "هو" يبحث عنه أيضاً، إلا أنّه لم يجده!.. إنه لم يجيء إذاً! ولكنّها تمارس حضوراً أكيداً في كلِّ شيء، وها هي الآن تشكّلها طيوف دخان سيجارته (كان يحاول أن يبتدع طريقةً ما في امتصاص السيجارةِ حتى تبعث دخاناً له خاصيّة رائعة: أن يُجسّد عريها، ليرى جسدها الرائع، ولكنه لم ينتبه إلى شيءٍ بسيطٍ جداً وهو أنّ سيجارته: بحكم اللهب الخافت الذي هو سرّ وجودها وانطفائها معاً! قد سكبت هي الأخرى، مثل الشمس تماماً، رحيقَ وجودها. أشعل، في لهاثٍ محمومٍ، سيجارةً أخرى، وظلّ يرقب المشهد المحتوم إذ حتماً سيرى جسدها الرائع، نهديها السامقين، وجيدها المنساب في رقّةِ لحنٍ موسيقيٍّ صافٍ، وفخذيها: (مبعث دفئه وشعوره الخلاق بامتلاكهِ للعالم، لمجرّدِ تصوّرهِ بفعله لشيءٍ ما فيما بين الفخذين!).. كانت السيجارة، ويا للأسف، مثل سابقتها عاجزة وخائبة! إذ شكّلت وجهه "هو" بالذات، مرتسمةً في ملامحه تعابيرٌ التّرقُّبِ للحضور البهيِّ لجسدها الرائع، سيمفونيّته المشتهاة. شعر بشعورٍ دفيءٍ من الخدرِ المباغت (يسمّونه عادة: الخجل!) قذف ببعضِ الحجارةِ الصغيرةِ هذه المرآة اللعينة، وأحدثت حجارته ثقوباً وانكساراتَ متعرّجة في زجاج المرايا، رأى، للغرابةِ، فخذها الأيمن عارياً، وكان جزءٌ صغيرٌ من فخذها الأيسر، أعلاه تماماً، يطلُّ في توقٍ لاكتمالِ البروز، شعر "بشيئه" ينتصبُ قليلاً.. قليلاً.. أخذ في التلصّصِ بلهفةٍ كي يرى من خلال الثقب (الذي كان صغيراً جدّاً) فخذها الأيسر، بكاملِ فتنته "الفِدْيَاسِيَّة"، وجسدها الأعلى، إلا أنّ الثقب كان ماكراً جدّاً!، إذ صار يدور حول نفسه بعبثيةٍ ماجنةٍ، وغيّب حتى ما كان مرئيّاً، نفث دفعةً أخرى من دخانِ السيجارةِ كي يهب شلالاً من الحياةِ للثّقبِ ليصير أكثر تماسكاً وليشكر فعلته تلك فيجسّد- بدورهِ- عريها البهي، ولكن كان ارتشاؤه للثّقبِ خائباً!
قذف بحجارةٍ أخرى، هشّمت ثقوبا أكبرَ في المرايا، أطلّ من واحدٍ منها وجه شرطيٍّ يُلوّح بسوطه (وأشيائه الأخرى) في جماعةٍ من المتظاهرين، ورأى في ثقبٍ آخرٍ عجوزاً يستجدي، أعطاه قليلاً من النقودِ كي يمضي، إلا أنّ العجوز أصرّ على البقاءِ بمكابرةٍ تركه ينشد: (يا ليلى ليلك جنَّ، معشوقك أوّه وأنَّ" بينما كان هو ينشد رؤيتها عارية، نظر في ثقبٍ آخرٍ، رأى أحد الطهاة يقلي بيضاً (أحسّ بجوعٍ مفاجئٍ، كفكرةٍ خاطئةٍ، كان جوعاً إليها "هي" بالذات، سيمفونيّته التي أضاع الدخان نوتاتها الرائعة!، كان هنالك ثقب ينادي عينيه المتلصصتين في لهفة، وفي هذا الثقب بالذات، رأى ناهديها، ويا للروعة!، (تحلّب ريقه لامتصاصِ رحيقِ روحه المدنفة من هذين الثديين، اللذين يتكورا وعداً وبشرى بزمنٍ ديونوزييسيٍّ سيأتي!) كانا متيقظين للتو، وكانت حلمتاها تنظران إليهِ في نداءٍ (خجولٍ بالطّبع)... أدخل يده من خلال الثقب، كي يمسّ ناهديها، ولكن أحدثت شروخ الثقب بعض الجروح في يده أسالت دماً كان قصيدةَ حزنٍ لغيابِ نهديها خلف غماماتِ حياءٍ أثارته محاولة يده في لمسها. وكانت دماؤه قصيدةُ هجاءٍ لثقبٍ لعينٍ لم يتواطأ مع رغبته السّاذجة والحادّة أيضاً، ثم حاولت آخر قطرات دمه، في غنائيّةٍ مرتعشةٍ، استجداء الثقب كي يكون أكثرَ حنوّاً، فكّر أخيراً في إغراء الثقب بالمزيد من دخان السجائر (كان عضوه قدانتصب بشكل كاملٍ الآن!، وكانت أعصابه قد توتّرت جيّداً (فجاء عزفها لإيقاعِ الشّهوةِ رائعاً!) توتّرت بفعلِ الشّهوة التي أثارها نهدٌ لطيفٌ وأكثرَ حنوّاً من الآخر، إذ لم يغب بالكامل، كما فعل ذلك بمكابرة، أشعل سيجارةً أخرى، وأخرى أيضاً، وأخيرة... (كانت المتعة البديهية في التدخين قد انتفت عنه، وهو يحاول لذّةً أخرى (من الطبيعيّ أن تحتجَّ السّيجارةُ لهذا الاستخدام  الأداتِي! أليسَ كذلك؟) كانت هذه آخر سيجارة، تصعّدت فيه الرّغبة المحمومة في أن تهبَ السّيجارةَ الأخيرةَ ما لم تهبه الأخريات: جسدها العاري تماماً وبكاملهِ. رأى طيوفاً أحرى كثيرةً، ولكن "العجوز المستجدي" لم يغبْ أبداً، أعطاهُ نقوداً أخرى، لم يغب أيضاً، انتهره لاعناً، لم يغبْ أيضاً!، تركه تماماً، غابَ أخيراً، ثم عاد أيضاً يستجدي بإلحاحٍ مُلحٍّ، الثقوب الأخرى بها طيوف أخرى غير الذي يود. ارتخى عضوه، ولكن، وللغرابة، تصاعدت شهوته حتّى تشكّلت جسداً عارياً، ولدهشته، كان جسدها، هي، مارس اغتصاباً ذهنيّاً لِطَيْفِ جسدِها العاري، كان "البحر" يضحك عالياً- كما هي عادته دوماً إذ لا يتجهّم "البحر" أبداً. لأمرٍ ما كان البحر يضحك... انثالت اللذة في جسده، كانت وثنيّة بشكلٍ وثني!... تصاعد جسده هو، من دخانِ سيجارتهِ الأخيرة، وذابَ في جسدِها المتصاعد من شهوته في عناقٍ صوفيٍّ، لم تكن له قمّة سوى تلكَ "الوخزة" الحادّة "بالطّبع" التي أحدثها لهب سيجارته في يدهِ التي كانت تحوط جسدها السّاحلي، (كان الألمُ البديهيُّ للهبِ "السّيجارةِ" مَنْفِيّاً في ذاتِ منفى المُتْعَةِِ الخاصّةِ بالتّدخينِ وبأشياءٍ أخرى!..

"2"
موقف البحر...
كان البَحْرُ يضحكُ- في محاولةٍ طفوليّةٍ- لإغاظةِ ذلكَ "الشّخص الما" حيثُ كان يمكنه وببساطةٍ- حسب ما يرى البحر- أن يرى جسدها الرّائع وقد عكسته المرايا، يضاجع جسد البحر في حنانٍ مرتعش- بفعلِ الخجلِ، وبفعلِ أشياءٍ أخرى، كما كان يستطيع- لو استطاع- أن يرى مشهده وهو في حوزة تعابيرِ التّرَقُّبِ والتّلصّصِ من خلالِ ثقبٍ قد يطلّ منه جسدها العاري كما يود.
يحيى الحسن الطاهر "سايح"
ليل الاثنين 4/12/1989م
الساعة الواحدة ليلاً، الواحدة صفاءاً!
الخرطوم